ثقافة التدخين في مصر

in «Local & Regional» by moftasa
languages: [ar] en

التدوينة دي مش عن ثقافة تدخين فريدة من نوعها في مصر ولكن عن إزاي التدخين كمجموعة من مواقف ومعتقدات وسلوكيات مقبولين اجتماعياًبشكل واسع هنا، هحاول تلخيص تجاربي مع المدخنين وردود أفعالهم وعلاقتهم بالمساحات العامة والغير مدخنين.

كمان، التدوينة دي هي نداء للمدخنين. لو أنت مدخن، أنا بناشد الجانب الطيب فيك. عاوز أوضح لك إزاي التدخين مُضر للآخرين، عاوزك تحترم الغير مدخنين وتدخن بس في الأماكن الخارجية، حتى لو الأماكن مسموح فيها التدخين، حتى لو الناس التانية بتدخن عادي، حتى لو أنت لوحدك في المكان.

السيجارة ال بتهديك وتريحك تأثيرها العكس بالنسبة لي، مش بس رائحة التدخين بتهيج رئتي لكن بتعمل عندي مجموعة من الأعراض المرتبطة بالتعرض للتدخين فترة طويلة زي الغثيان والصداع أو مجرد القلق من أن هايجي لي صداع يبوظ بقيت يومي.

أنا مش عاوز أقنعك تبطل تدخين، أنا عاوز المدخنين يتخيلوا نفسهم للحظة أنهم غير مدخنين ويحطوا نفسهم مكان الناس ال بتتأذي أو بتتضايق من التدخين السلبي واليد التالتة للتدخين (أو التدخين البارد هاوضح أيه ده بعدين). أنا عاوزهم يفهموا أزاي التدخين في الأماكن المقفولة مؤذي للناس ال عندها رئة ضعيفة أو حساسية في الصدر.

بالذات بعد ما كوفيد سابنا برئتين أضعف من الأول.

التعريف بأزاي التدخين مؤذي لك مش هدف التدوينة دي خالص. أنا مقتنع تماماً بحقك في أنك تضر نفسك طالما مش بتأذي الآخرين.

أنا كمان عاوز الغير مدخنين يفهموا أنهم مش لازم يفضلوا ساكتين على الأذى ويتقبلوا الهواء المسمم وكأنة واقع ما ينفعش يتغير.

تنويه: أنا مش خبير اقتصادي أو متخصص في السرطان أو أخصائي أمراض الرئة أو عالم بيئي مؤهل. كل ال هنا عبارة عن خليط من ملاحظاتي ومعرفتي كطبيب نفسي ورأيي كشخص عادي.

ثقافة التدخين بتسيطر على الأماكن العامة

في العشرينات من عمري ، أتعلمت رقص السالسا، رقص السالسا تمرين بدني و زي أي تمرين رياضي الواحد بيتنفس هواء أكثر، كان الاستوديو مفيش فيه تدخين، لكن لما خلصت الدروس ورحت مكان رقص السالسا لممارسة ال اتعلمته، رجعت البيت صدري وعيني بيحرقوني، ما رحتش تاني.

في الوقت ده ما كنتش أعرف كتير عن التدخين السلبي، ال هو استنشاق دخان السجائر بتاع ناس تانية وما كنش ضرني قبل كده، حاولت التدخين وأنا مراهق لكن ماعرفتش أسحب الدخان على صدري وبسرعة قررت أن التدخين مش مناسب ليا، وكنت محظوظ أن مكانش في حد في أسرتي أقلده، دلوقتي فيه أدلة علمية على أن التدخين السلبي بيجيب امراض القلب والسرطان.

عرفت عن "اليد الثالثة للتدخين" أو التدخين البارد من مقالة في النيويورك تايمز في 2009، المصطلح بيشير للجزيئات ال بيسيبها الدخان على السجاد والأسطح والملابس والشعر والحوائط. الجزيئات دي فيها مواد كيميائية بتسبب سرطان وبتتراكم مع مرور الوقت ومش بتروح بفتح الشبابيك وتهوية المكان. الدراسات على الحيوانات بتثبت أن المواد دي ممكن تسبب السرطان لكن لسه ما فيش أدلة واضحة على تأثيرها على صحة البشر البالغين، لكن فيه أدلة على أنها مضرة للأطفال، الطريقة الوحيدة لتجنب التعرض لليد الثالثة للتدخين أو الدخان البارد هي منع التدخين داخل المباني.

المدخنين مسيطرين على كل الأماكن العامة، وده بيخلي غير المدخنين يحسوا أنهم أقلية، لكن الاحصائيات بتقول أن 22% فقط من المصريين مدخنين، بس لو دخلت أي مصلحة عامة هاتحس أن نسبة أكبر بكثير بتدخن.

أغلب المطاعم والكافيهات والبارات بتسمح بالتدخين، لو فيه مكان لغير المدخنين، في الأغلب بيكون في أكثر مكان غير مرغوب فيه وتهويته غير معزولة، عدد قليل من سلاسل الكافيهات الكبيرة عرفت تعزل المدخنين على عكس أغلب الكافيهات الصغيرة، في المطاعم التدخين بيفسد طعم ورائحة الأكل وبيحول تجربة الأكل برا لتجربة بشعة.

مافيش بارات لغير المدخنين في مصر، قليل منهم عندهم أماكن مفتوحة خارجية، ولو عندهم مكان للموسيقى أو الرقص عمرها ما بتكون خالية من التدخين. زبائن المكان عمرهم ما بيفكروا في تأثير التدخين السلبي على صحة العاملين في المكان البيشتغلوا شفتات 8 ساعات خمس أو ستة أيام في الأسبوع بيتنفسوا هواء مسمم.

المكاتب في الشركات الخاصة أو العامة ما بتمنعش التدخين داخل المبنى، لو مكان عمل عنده بعض الذوق هايخصص غرفة للتدخين، وفي الأغلب بيكون المكان ده المطبخ وطبعاً الدخان مش بيفضل في المطبخ وبينتشر لبقية المكتب، بخلاف أن الدخان مقرف وبيفسد أكل أو شرب الناس التانية.

في المستشفيات استراحة أو سكن الأطباء مش بتكون خالية من التدخين، والدكاترة المدخنين نادراً ما بيهتموا بصحة زملائهم الغير مدخنين المضطرين يباتوا في نفس الغرف ويناموا على ملائات مشبعة بالغبار المسرطن.

التدخين مسموح به في المستشفيات النفسية، بالرغم من أن التدخين مؤذي للصحة النفسية. التدخين بيخلي الاكتئاب والقلق أوحش، التدخين بيقلل من كفاءة بعض الأدوية النفسية. وفيه أدلة من مستشفى نفسي كبير في انجلترا منعت في التدخين أنه قلل العنف على عكس المتوقع.

السجائر ومنتجات التبغ بيتعاملوا معاملة خاصة في المحلات، بيتعرضوا في فترينات خاصة فيها إضاءة ومرايات مبهرة، محطوتين على أكثر الرفوف وضوحاً في المحل وفي محطات البنزين كل حاجة بتتباع أغلى من ثمنها ما عدا السجائر.

عربيات المدخنين بتتباع بنفس سعر الغير مدخنين وأي محاولة لشرح أن السعر لازم ينزل بسبب رائحتها الكريهة بيقابلها استغراب.

بعض المدخنين ما يهمهمش لو دخنوا في غرفة مكيفة أو لأ، فلاتر التكييف بتتشبع بالدخان وده بيمنع الغرفة من أن ريحتها تبقى نظيفة تاني، صيانة مكان فيه تدخين غير معقولة، فلاتر التكييف لازم تتغير كل شوية، الحوائط لازم تدهن كل سنة والكنب يتنجد كل شوية علشان المكان يفضل شكلة نضيف ورائحته كويسة.

أثناء محاولاتي أني أدافع عن حقي في أني ما أتسممش بالتدخين السلبي أو البارد واجهت أغرب التصرفات والتبريرات.

صورة لدخان سجاير بتركيزات مختلفة وشرح لكل مستوى من التركيزات دي، أول واحد وأكثرهم كثافة مكتوب عندها 'كلنا متفقين أن الدخان ده مؤذي المدخنين مش هايطلعوه في وشك غير لو عاوزين يشتموك'، الدرجة الأقل مكتوب عندها 'المدخن هايحاول يهوي بأيده لو الدخان ده وصلك' الدرجة الثالثة 'المدخن مش بيعتبر ده دخان مؤذي وعادي ممكن الناس تستحملة' آخر درجة السهم بيشاور على فراغ رمادي في الصورة ومكتوب 'الغرفة ريتحتها تدخين ومثيرة للغثيان لأن الدخان أنتشر في كل حتى لكن غير مرئي - المدخنين ما عندهمش قدرة على الأحساس بده خالص'

  • المدخنين بيتلموا مع بعض ويتنمروا على لزملائهم ال بيحاولوا يغيروا لوائح أماكن العمل لمنع التدخين.

  • المدخنين بيستهينوا (بشكل مقصود أو غير مقصود) من الضرر ال بيسببوه للآخرين، بيستهزئوا من ال بيشتكي وما بيقدروش يفهموا الطبيعة الفيزيائية للغازات (أنها بتنتشر في كل مكان وبتلوث الهواء للكل).

  • المدخنين بيقفوا على مدخل الغرفة ويمدوا دراعهم ال فيه السجارة لبره وكأن الدخان مش هاينتشر ويدخل.

  • مدخنين كتير ما يهمهمش لو أطفال أو حوامل هايستخدموا الغرفة، طالما مش بينفخوا في وشهم .. تمام.

  • لو ما حدش شايفهم المدخنين بيدخنوا في الأماكن ال ممنوع فيها التدخين، وبيرموا أعقاب السجائر في كل مكان.

  • لما أشتكي للمدخنين بيتصرفوا كأني بتكلم لغة غريبة ويتريقوا مع زملائهم.

  • خارج دور العبادة والمستشفيات مافيش مدخن بيتدخل لو مدخن تاني بيكسر القواعد، بيعملوا نفسهم مش هنا أو يضحكوا.

لو التدخين بيخليك تحس أحسن، دخن برا، غير كده راحتك المؤقتة بتسرقها من الناس التانية ال بيحسوا أوحش من إفسادك للمكان المشترك ما بينكم.

ده الوضع الطبيعي ال ثقافة التدخين أتاحته، الاستثناء هو المدخنين ال بيتصرفوا بطريقة حضارية، لكن نادراً ما بيحاولوا فهمهم لتغيير مستمر زي أنهم يقفوا أمام المدخنين التانيين أو يغيروا قواعد أماكن العمل.

ثقافة التدخين بتسيطر على الخيال

الطريقة ال استحوذ بيها التدخين على خيالنا الجماعي بتخلي من الصعب أن الناس تغير سلوكها، وده بيقلل المساحة المتاحة لغير المدخنين أنهم يشتغلوا أو يستمتعوا بحاجات أساسية من غير أذى.

مش ممكن تكون عشت في مصر وملاحظتش قد أيه غضب المدخنين في نهار رمضان بيتشاف على أنه مفهوم ومبرر، خصوصاًَ الرجال، الناس بتمشى على طرف صوابعها وهي حواليهم، لكن العكس مش ممكن تصوره أصلاً.

الأفلام والأعمال الفنية والروائية بتجسد التدخين على الفاضي والمليان وبدون مبرر، لو أنت فنان أو مبدع وبتدخل شخصية مدخنه في شغلك فكر في أزاي الشخصية دي هاتكون نموذج للشباب الصغير.

تصوير التدخين في الإعلام بيبعت رسالة قوية للشباب الصغير، مخرجي الأفلام والممثلين بيستخدموا التدخين لعرض سمات في الشخصية كانت بتصورها أعلانات شركات التبغ، زي الصلابة والتمرد والجاذبية.

فلو أنت بتدخن فأنت بتشتغل سفير لشركات التبغ أو شخصيتك دعاية مجانية لها، وأكيد فيه طرق أكثر إبداعاً لرسم الشخصية في عملك الفني.

ثقافة التدخين بتسيطر على السياسية

الحكومة المصرية بتحتكر صناعة السجائر عن طريق تمسكها بنسبة 50.5% من أسهم الشرقة الشرقية للدخان وفي نفس الوقت هي المسؤولة عن سياسات التبغ في البلد، القوانين ال بتصدر لمنع التدخين في المصالح الحكومية عمرها ما بتتنفذ.

لو بصينا على معدلات زيادة عدد المدخنين (4 مرات الزيادة السكانية) والزيادة الكبيرة في عدد الشباب في هرم السكان المصري (35% من السكان في سن بداية التدخين)، الشركة الشرقية للدخان متوقعة أرباح خيالية في السنوات الجاية، أنا مش متخيل أي تطبيق جاد للقوانين أو أي تشديد في سياسات التبغ في أي وقت قريب.

السجائر بتعامل معاملة السلع الأساسية، زي السكر والدقيق والزيت، أسعار السجائر أرخص من بقية العالم والضرائب مش بتغطي التكلفة العامة أو الخاصة لعلاج الأمراض المرتبطة بالتدخين.

عيادات علاج التدخين نادرة وإمكانيتها ضعيفة والعلاجات المساعدة للإقلاع عن التدخين مش موجودة (زي بدائل النيكوتين) أو غالية جداً (فارنكلين).

ثقافة التدخين والبيئة

فيه عدم فهم شائغ عن العلاقة بين التدخين والبيئة، فيه فعاليات بتنظمها مؤسسات خيرية أو الدولة كخيم رمضان الصديقة للبيئة وبيكون التدخين ممنوع فيها، هنا التركيز على أن الأماكن ال فيها تدخين مضرة لبيئة المتواجدين، لكن التأثير على البيئة الحقيقي أكبر بكتير.

مزارعين التبغ في البرازيل و كينيا و زيمبابوي و الهند حياتهم مسيطر عليها دوامات من الديون (وساعات عبودية) لشركات التبغ، ساعات ده بيوصلهم للانتحار، الأطفال ال بيجمعوا التبغ بيجلهم تسمم من ورق التبغ الأخضر المبلول وبيتعرضوا لمبيدات سامة بتجيبلهم تشنجات وفشل كلوي وسرطان، التبغ بياخد أراضي كان ممكن تتزرع أكل، والغابات بتتقطع للتوسع في زراعة التبغ وأخشاب الغابات بتتحرق لتجفيف أوراق التبغ، الولاعات البلاستيك بتزود الزبالة البلاستك وأعقاب السجائربتلوث البحر.


من كام شهر رحت كافيه علشان أشرب كوباية قهوة وآكل حاجة قبل العيادة وكان لسة الكافية متجدد، الدور ال فوق متقسم جزئين، تلت مقفول عليه بالزجاج وله تهوية مفصولة عن بقية المكان والجزء التاني أوسع وشرح، كغير مدخن متدرب كويس دخلت بحاجتي التلت المقفول بالزجاج وقعدت، وفجأة لقيت نفسي مش عارف أتنفس، طلع أنهم مصممين المكان بحيث أن المساحة الأكبر والأفضل لغير المدخنين! أنا مؤمن بأن الثقافات بتتغير وكمان أن الأماكن العامة لازم تكون متاحة للكل.

أخدت حاجتي وطلعت قعدت أتفرج على المدخنين وهما بيعوموا في حوض الدخان الصغير وقعدت أفكر في الحجة بتاعت أن ممكن المدخنين وغير المدخنين يستخدموا مكان واحد لو التهوية كويسة ولكن شفت قد أيه ده مش ممكن من غير فصل تام للمدخنين عن غير المدخنين وأكيد تكلفة حاجة زي كده كبيرة جداً، يمكن الأسهل لو كل مدخن أو مدخنة خرج أو خرجت برة دخنوا السيجارة برا ودخلوا تاني.

مع تدهور صحتي واستحمالي للدخان السلبي، واستمرار الوضع كما هو عليه، أنا شايف أني هاتمنع من حضور حفلات موسيقى أو رقص أو أقابل صحابي أوأحتفل بأعياد ميلادهم أو حتى أني آكل برا.

ثقافة التدخين المسممة بتأذي ال حواليك وبتسيطر على الناس من سن صغير وتزود أرصدة شركات التدخين وبتدمر الغابات وبتزق المزارعين للانتحار وبتحرمك من التبطيل.